top of page

من الولادة حتى الشهادة

الولادة

حين تشتدُّ الظلمة، لا يبدّدها إلّا وهجُ أرواحٍ أُشربت نورًا من السّماء. من بلدة رشاف المجبولة بالإيمان والتقوى، وُلد الشهيد حسن المجتبى أحمد في السابع والعشرين من أيار، وترعرع في بلدة عيتيت وسط عائلة ملتزمة مؤلفة من أم وأب وأخوين وأختين، نهل من دفء قلوبهم نور التديّن، وترعرع في كنف طهارتهم على حبّ الله وأهل البيت (ع).

121 (2).JPG
095bfec7-d327-446d-a3a8-32ad5dc88394.jfif
93da09b1-bf66-40ff-97ea-3f6434138f69.jfif

النشأة

نشأ حسن في بيتٍ تحفه البركة والسكينة، بيتٌ لم يكن فقط مدرسة للتربية، بل محرابًا تنسك فيه إلى مكارم الأخلاق. فكان منذ صغره شابًا خلوقًا، بارًا بوالديه، مسؤولًا، نبيهًا، وذو وجهٍ دائم التبسّم، يزرع الطمأنينة في من حوله، ويُحسن التصرّف في المواقف الصعبة. التحق بكشافة الإمام المهدي (عج)، وهناك لم يكن مجرّد عنصر، بل كان مربّي أجيال، يزرع في قلوب الفتيان حبّ الإيمان، ويشعل في نفوسهم شوق الشهادة.

الدراسة

تابع دراسته بتفوّق حتى أنهى اختصاصه الجامعي في هندسة الميكانيك، فكان مهندسًا في علمه، وصاحب فكرٍ راقٍ واسع الثقافة، يغوص في الكتب الدينية ويتقن فن الحوار والنقاش، ما جعله محطّ احترام كل من عرفه.وبعد مرور السّنين تزوّج حسن وعاد ليسكن في بلدته رشاف عاملًا على تطوير فوج في كشافة الإمام المهدي (عج).

photo_1_2025-06-02_12-24-17.jpg
Screenshot 2025-06-03 002414.png

التحاقه بصفوف المقاومة

أما روحه الجهادية، فلم تكن وليدة لحظة، بل امتداد طبيعي لنقاء قلبه وعمق إيمانه. التحق بالعمل الجهادي في عام ٢٠١٢، مدفوعًا بإرث بيئته العائلية، وتربيته في الكشاف، ويقينه بأن هذا الطريق هو طريق الحق.سطر العديد من الملاحم البطولية وآخرها بحرب الاسناد.كان من أهل هذه المسيرة، ومن الطليعة التي تنذر عمرها لعزّة الأمّة وكرامتها.

مشاركته في طوفان الأقصى

شارك في عدد من الميادين والمهمات، وكان دائمًا في الصفوف الأمامية، يبادر إلى العمل، ولا يرضى إلا أن يكون في قلب الحدث. من بين المواقف البطولية، أُصيب في إحدى العمليات ونُقل إلى المستشفى، وكان وضعه الصحي دقيقًا، لكنه أصرّ على العودة لمتابعة عمله الميداني وعدم الرجوع إلى البيت، غير أن القيادة لم تسمح له حينها. لم يكن يعرف التردد، ولا عرف في قلبه إلا العزم والإصرار.

vlcsnap-2025-06-15-17h44m10s588.png
Screenshot 2024-09-27 155311.png
vlcsnap-2025-06-15-17h45m56s843.png

ومن أبرز مواقفه البطولية

ومن أبرز مواقفه البطولية، أنه كان أحد الأبطال الذين رمى صاروخ ألماس، الذي يُعتبر من الأسلحة الفائقة القدرات، بفضل تصميمه الفريد وفاعليته التي تفوق العديد من الأسلحة الأخرى. كان حسن هو الشخص الذي أطلق هذا الصاروخ في لحظة حاسمة من المواجهة، ليُظهر شجاعة غير مسبوقة في ميدان المعركة.

vlcsnap-2025-06-15-17h44m37s347.png

ابنته نرجس

وبين ساحات الجهاد ومواسم العطاء، كان لحسن قلبٌ يفيض حنانًا في بيته،نرجس، فكانت زهرة قلبه وريحانة عمره، بها يحلو الزمان، وبضحكتها يأنس الوجدان. لم تكن علاقته بها علاقة والدٍ بابنته وحسب، بل كانت تربية ممتزجة بالحب، مؤطّرة بالقداسة، قائمة على سقايتها من معين النور واليقين.

photo_12_2025-06-02_12-24-17.jpg
WhatsApp Image 2025-06-11 at 4.00.33 PM (2).jpeg

منذ نعومة أظافرها، كانت أذانها تألف آيات الذكر الحكيم، ودعاء الإمام الحجّة، وأسماء الأئمّة الأطهار، فقد جعل تلك النفحات غذاءً يوميًّا لروحها. ومع كل يوم تكبر فيه، كان قلبه يكبر معها، فحرص على مرافقتها إلى المساجد والمجالس، وزرع في وجدانها عشق الحسين (ع) وأهل بيته، ليس بالكلام فحسب، بل بالفعل والممارسة، حتى باتت تقف إلى جانبه في الصلاة، على سجادة صغيرة اصطفاها لها، إلى جوار سجادته وسجادة والدتها، تحمل كتاب القرآن، وسجدةً ومسبحة، كأنّها تُهيّأ لوراثة درب النور منذ الآن.

وكان إذا قصّ عليها القصص، لم يكن يروي لها إلا حكايا الأنبياء والأئمّة، يرويها بشغف العارف، وبأسلوب يُخاطب براءة قلبها، فتنطبع المعاني في داخلها نقشًا لا يُمحى. وكان يرى في القرآن روحًا لا بد أن تسكن أعماقها، فيُسمعها آياته، ويُعينها على حفظها، رغم صِغر سنّها، مردّدًا أن الغرس في أرض طيّبة لا يضيع.

bc17a416-2db1-466e-82da-40ec0a46dfd8.jfif
WhatsApp Image 2025-06-11 at 4.00.35 PM.jpeg

أمّا في عاشوراء، فكان لها نصيبٌ خاص، إذ يتحوّل البيت إلى مأتمٍ عاشقٍ مفجوع، تُعلّق فيه الرايات، وتُرفع الشعارات، ويُمهّد لحضور المجالس، ومواكب اللطم، ولبس السواد، وسكب الدمع، لتكون نرجس شريكةً في الحزن، رغم صِغرها، لأنها ابنةُ بيتٍ نُذر للحسين، وروحٌ طُبعت على الولاء.


فبهذه الروح، ربّى الشهيد نرجس، سقاها حبًّا لله وأهل البيت، علّمها الصلاة بخشوع، وقراءة القرآن بإيمان، والدمعة على الحسين بيقين… وها هي اليوم، تُكمل رسالته، وتمشي على خُطاه، بنقاءٍ نادرٍ لا تُخطئه العيون.

WhatsApp Image 2025-06-11 at 4.00.30 PM.jpeg

السيرة الكشفية كاملة

    منذ نعومة أظفاره، خطا الشّهيد حسن المجتبى أحمد أولى خطواته في درب الخدمة والتّربية الكشفيّة، فانضمّ إلى مرحلة البراعم، وهناك بدأت ملامح شخصيّته القياديّة تتشكّل شيئًا فشيئًا، تحت ظلال مبادئ الكشّاف، وفي حضن العمل التّطوعي الصّادق. لم يكن الكشّاف مجرّد نشاط عابر في حياته، بل كان أحد ركائزها، بل وصيّة من وصاياه، ومرآة صافية تعكس إيمانه العميق بأن بناء الإنسان يبدأ من الطّفولة، من التّربية على الانضباط، والمحبّة، والعطاء.

IMG_0377.jpg
IMG_0020.JPG

لم يكن حسن قائدًا عاديًّا، بل كان روحًا حيّة في جسد الكشّاف، يهب له وقته وجهده، ويقول دائمًا "أجر العمل في الكشّاف ليس كأيّ أجر، فهو أجر بناء الإنسان".


كلماته تلك لم تكن مجرد كلمات، بل مواقف تُترجم على الأرض؛ فكان حيثما حلّ، يبثّ الحياة في الفوج، ويوقظ في عناصره حبّ الخدمة، والاندفاع نحو الخير، والإيمان بالواجب.

انطلق من فوج الإمام زين العابدين (ع) - عيتيت، نشأ الشهيد حسن وتدرّج بثبات في سلّم القيادة الكشفية، حيث برز بحضوره اللافت وروحه القيادية. كان من أوائل روّاد المنبر في كل نشاط، صوته يعبق بالحماسة، وعشقه للفن جعله يتألق في التمثيل ويشارك في العديد من المسرحيات والأعمال الفنية التي أضفت روحًا خاصة على الفعاليات.

IMG_0194.JPG
IMG_6987.JPG

تميّز الشهيد حسن بضحكته التي لا تُنسى، تلك التي كسب بها قلوب الجميع، من قادة وعناصر وأطفال، فأصبح محبوبًا لدى كل من عرفه. وها هي الأجيال التي تربّت على يديه لا تزال تحفظ اسمه في ذاكرتها، كيانًا حيًّا لا يُنسى مهما طال الزمن.

بعض الصور من المسرحيات والاعمال الفنية للشهيد حسن 

IMG_6416.JPG
IMG_3811.JPG
14332 (31).JPG
423 (7).JPG
Screenshot 2025-06-16 114057.png
Screenshot 2025-06-16 114037.png
Screenshot 2025-06-16 114127.png
IMG_4957.JPG
IMG_8592.JPG
Screenshot 2025-06-16 114346.png
Screenshot 2025-02-01 110251.png
Screenshot 2025-06-16 114315.png

فوج الامام حسن المجتبى (ع) - رشاف

وفي عام 2021، انتقل إلى بلدته رشاف ليؤسّس فيها فوجًا كشفيًا جديدًا، لم يكن مجرّد تأسيسٍ إداريّ، بل نهضة حقيقيّة. بفضل الله و جهوده، ازدهر الفوج، وارتفعت أعداد المنتسبين، وتنوّعت الأنشطة، وزاد الإقبال والحب تجاه الكشّاف، لما وجدوا فيه من روح قياديّة مفعمة بالإخلاص والصّدق. وقد أظهر نجاحًا لافتًا في تأصيل الكشّاف كأحد أهمّ أسس التربية السليمة للنّاشئة.

acc1993c-8aaf-453e-a636-16671f6197f4.jfif

واليوم، ما زال أثره باقٍ في فوج رشاف، ينبض بالحياة، ويواصل المسيرة، تمامًا كما أرادها هو فوجًا يصنع رجالًا وأحرارًا، ويُربّي على الإيمان والعمل.

2143bed9-1694-43a3-806a-581f8048e1c3.jfif

كان الشّهيد حسن محبوبًا بصدق، لا من باب المجاملة، بل لأن قلوب العناصر كانت تميل إليه عفويًّا. كان قريبًا من كلّ فرد في الفوج، يُنصت باهتمام، يساند بتواضع، ويقود بحكمة. لم يكن يُشعر أحدًا بالفارق بينه وبينهم، بل كان أخًا وأبًا وصديقًا، يزرع الثّقة في قلوبهم، ويُحيي الحماسة في نفوسهم. كانوا يلتفّون حوله لا لأنّه قائدٌ فحسب، بل لأنّه قدوة حقيقيّة، يُجسّد ما يُعلّمه، ويُضيء دروبهم بنوره الخاص.

photo_11_2025-06-15_15-08-56.jpg

الشهادة

وفي التاسع عشر من حزيران، في بلدة يارون الجنوبية، ارتقى شهيدًا في غارة معادية، بعدما كان قد اتصل قبل ساعات بزوجته، وطلب منها أن تصلّي ركعتين وتدفع الصدقة وتهديهما له، وتدعو له بأن يُيَسّر أمره. لم تمرّ ساعات قليلة حتى وصلها خبر استشهاده، حوالي الساعة العاشرة صباحًا. وفي اليوم نفسه، أطلّ سماحة السيد حسن نصرالله على التّلفاز ناعيًا الشّهيد حسن المجتبى أحمد مع رفيقيه.

8e0158b7-6412-4efd-8103-aca5b6af6936.jfif
Screenshot 2024-06-21 131713.png

بعد استشهاده، ترك حسن أثرًا لا يُمحى، لم يقتصر على بلدته فحسب، بل وصل صداه إلى قلوب ناسٍ من بلادٍ عدّة. كلّ من عرفه تأثّر به، وكلّ من سمع عنه اشتاق أن يعرفه أكثر، لتبقى روحه شاهدةً على أن الإنسان حين يملأ قلبه حبًا لله، لا تكون نهايته إلا بدايةً لخلودٍ لا يُفنى.

رحل حسن، لكنّه ما غاب. بقي حيًّا في وجدان من عرفوه، ففاجعة رحيله لم تكن سهلة، بل كانت كالصاعقة على قلوب المحبّين، لما كان له من أثر عميق وروح طيّبة. كأنّ السماء كانت تعدّه منذ البدء لتلك اللحظة.

584468fd-a8ae-4fbc-844d-323f0a0a4c98.jfif

الدفن

أوصى أن يكون ضريحه بسيطًا، شبيهًا بأضرحة أئمة البقيع (عليهم السلام)، خاليًا من الزّخارف، نقيًا من التّكلّف، متواضعًا كما كان قلبه، وكما أحبّ أن يلقى ربّه. لم تكن هذه الوصيّة مجرّد طلب شكلي، بل كانت امتدادًا لطريقٍ سار فيه عن وعي وبصيرة، طريق المحبّة لأولياء الله، والاقتداء بخطّهم في الزّهد والصّفاء.

photo_2025-06-15_15-06-52.jpg
d5b153bd-7cf4-478e-ad61-54657f4293ac.jfif
photo_2025-01-20_10-47-17.jpg
482064526_630125593213074_1709912457336669578_n.jpg
bottom of page